مذكرة القمر
Blog post description.
10/7/2025


بدر، والحادية عشرة وإحدى عشرة دقيقة ليلًا،
تقول الحكاية الشعبية أن المرء حين يلتفت نحو الساعة ويجد أن عداد الدقائق متناظر مع مؤشر الساعات، فربما يكون محبوبه يفكر به. لعل قلبي ما زال يعرف طريقه عبر الزمن والحكايات القديمة؟, تتسلل إلى رأسي عبر هذه الحكايات, ذكريات صديقات المدرسة وأحاديثهنّ هذه، وجوههنّ البعيدة كصفحات كتاب أُغلق برفق. أين هنّ؟ كيف خبأتهنّ الأيام؟
تحدثني صديقتي ان القمر يحكم طالعي برج السرطان ويقيم في بيته، وبهذا تفسر سر انجذابي لمراقبة القمر والتأمل فيه, وتشرح بهذا ذاك الإلهام الذي يزورني ويمنحني شيئًا لا أجد مثله في غيره. “عيونك قمرية لامعة”، تقول لي على الدوام. لا أفهم تمامًا ما الذي تعنيه بكل هذا، ولا أعلم إن كانت عيناي تلمعان كما تزعم، لكني أعلم أني أحب القمر، وأنني إن أحببت الضياع يومًا فإني أحبّه في تأمّله.
تتسمر ذاكرتي وتصبح ذكرياتي متينة عصية على النسيان حين ترتبط بصريًا بوجود القمر, اليوم كان بدرًا مكتملًا وقد صعد باكرًا قبل غروب الشمس من خلف بلدة بعيدة، كأنه يحاول أن يوقظ أحدًا ما، لربما أنا أقول في سري. حين جذبني ضوءه الوردي الخفيف إلى النافذة، راقبته من الواجهة الشرقية بينما كنت أوظب طاولة الطعام بعد وجبة الغداء المتأخرة, وفي رأسي تدور أصوات طيور الزرزور كأنها موسيقى خلفية تعبر فضاء المدينة وفضاء رأسي. التقطت صورًا للقمر، للمدينة، ولنا. هكذا يفعل القمر بي دائمًا.. يسرقني، نمضي الوقت معًا، ثم يعيدني برفق وبطء يليق بالدهشة.
….


تشير رزنامتي التي خططتها بعد وقت قصير من ميلاد ريف، إن الوقت حان للعودة إلى الواقع. الواقع؟ ربما، لكنه مختلف هذه المرة تعلمت بأمومتي وميلاد ريف كيف أمضي مع الأيام بإيقاع أبطأ، وكيف أتيح لقلبي أن ينبض بهدوء، كأن الزمن نفسه يتنفس برفق. عقلي هادئ وداخلي ممتلئ بالنعمة.
تحدث إلى نفسي بصراحة كانت تتطلب الشجاعة سابقًا, لم أكتفِ بعد من إجازة الأمومة, وأعلم كم تبدو كلمة “إجازة "طريفة" حين أتذكر أني أنا المدير والموظف في الوقت ذاته. مع ذلك، أفعل هذا عادة لأقي نفسي الغرق في المراحل الجديدة، فأرسم الجداول والتقويمات، لكن هذه المرة على غير العادة لم أبال كثيرًا بفكرة الالتزام، ولم أضع لتقويمي سطوة. أفكر بترك الأيام تفعل ما تشاء، وأنا فقط أراقبها وهي تموج وتعبر من تلقاء نفسها, أعلم يقينًا أني سأجد نفسي عما قريب أواظب مرسمي مرات أُخراستعدادًا لعودة جديدة.
أفكر الآن ولربما برومانسية مبالغة منفصلة عن الواقع لكنها صادقة حتما, أن لحظات الصفاء هذه، حين يرافقني القمر وتتلألأ الذكريات في قلبي آخر اليوم، هي ما يجعل العودة إلى الواقع ممتعا، وأن كل يوم مهما بدا عاديًا، يحمل في طياته بعضًا من السحر الذي يجعل الحياة أكثر نعمة وجمال.













