مابين الضوء والذاكرة

تاملات تُكتب لتتذكر, لا لتستعاد

11/16/2025

منتصف الظهيرة.

في حين أن وقتًا كهذا لم يكن يصلح سابقًا للقيام بأي شيء سوى الاستلقاء على الأريكة وعدم الكلام، انخفضت معايير تقييم الوقت وجودته لصنع الأشياء أو القيام بها، فبتُّ الآن أبحث عن أي ساعة هنا أو هناك للانتهاء مما يتوجب عليّ القيام به. إنها الأمومة.
قبل بضعة أيام أخبرني سراج بخاطرة قبل نومه. قال إنه يشتاق أحيانًا للوقت الذي كنا نمضيه سويًا عندما كان الطفل الوحيد لنا، ثم عندما يقارن بين حياته الآن مع شقيقه وشقيقته يجد أنه يفضل هذه الحياة دون تردد، لكن ثمّة شأن ما يشتاقه من سابق العهد , أخبرته أن جميعنا نشعر بشوق لسالف الأيام، ولربما نتوق لأيام كنا نظن أنها غير جديرة بالتذكر حتى. أخبرته أني مثلا أشتاق لذاتي عندما كنت في سن الثلاث سنوات, هذا العمر الذي يصير مع الزمن كالحلم او السراب أو كفيلم قديم شاهده الانسان منذ زمن بعيد، يتذكره كمشاهد مستقطعة وبعيدة, هذا العمر الذي يصرّ المختصون بشؤون الطفولة على أن الأطفال لا يتذكرونه جيدًا من حياتهم لكنها يؤثر بطريقة مباشر على نشأتهم النفسية التي ربما ترافقهم الى آخر العمر البعيد، أما أنا فأتذكره وبشدة. تلك الأيام ارتبطت في ذاكرتي ببأشياء عديدة منها أول اختبار لشعور الوحدة والاضطرار لمجابهة الحياة في عيني طفلة, الخروج من دائرة الأمان واكتشاف عوالم وأشخاص جدد. هذا ما تحتم عليّ اختباره بعدما انتسبت شقيقتي التي تكبرني بعامين إلى رياض الأطفال, وكيف أدركت حينها أننا اثنتان ولسنا واحدة، وأن كلًّا منا عليها أن تملأ وقتها أحيانًا بفعل مختلف، بما تحتمه علينا المرحلة.
كنا كجسد وظله، مترافقتين منذ نصحو وحتى ننام، ثم صار لها حياة خاصة وساعات تغيب فيها عن المنزل, مدرسة ووقت يرتبط بها منزليًا لحل الواجبات المدرسية، وأُناسٌ جدد… هناك تامر الذي لا تطيق النظر إليه، وعلى أثره قررت تبديل اسم الدمية الخاصة بها من “تامر” إلى أي اسم آخر، لأن لتامر زميلها في المدرسة أنفًا غير نظيف، وهذا حاله على مر الدوام. ثم كيف لا ينظف أحد أنفه فيصير الأمر اعتياديًا هكذا بالنسبة له؟
“هل أنف تامر نظيف اليوم؟” كنت أسألها يوميًا عندما تعود.. “هل بكت ريما كعادتها عندما أوصلها ذووها إلى المدرسة؟”
في يوم التخرج ذلك العام هرعت إليها بعد انتهاء الحفل الاستعراضي وسألتها: أين تامر؟ وأين ريما؟ كانت ريما تبكي في ذلك الوقت أيضًا.

أخبرته كيف قادتني مشاعري الجديدة تلك، المتوجة بالوحدة والاضطرار للتعامل مع الواقع، لاكتشاف عالم “حاكورة أبو هشام” المقابلة لبيتنا، والقبول باللعب مع “أنس” أحيانًا، جار الطفولة العنيف. حدثته عن شجرة الليمون وزهورها، وعن عصافير الدوري التي كانت تحط على أغصانها قليلا ثم تهبط لتشرب الماء من البرك التي تتجمع حول سيقان الأشجار. ثم أذكر محاولاتي العديدة واليومية في الحفر لصنع بركة أملاً في أن تصير مرتعًا للعصافير، وكيف كان الماء ينساب بين حبات التراب إلى مكان غير معلوم، رغم أني كنت أمضي يومي كله في إحضار الماء كأسًا تلو الآخر
كيف صادقت تلك العصافير، وأظنها تعرفني وتشتاقني حتى اليوم. حتى ظننت نفسي عصفورة في ذلك الحين. واليوم أحيانًا…
الى امي وهي تصنع لطفولتنا الحلويات وقوالب الكيك يوم الخميس قبيل عطلة نهاية الاسبوع, الى المساحات السهلية العديدة التي كانت تكتشفها وترتب الامور كي نعود رفقة الجارات وابنائهن, نلهو ونشرب العصائر والشاي ونتناول الوجبات الخفيفة هناك,
وكم أشتاق الى نفسي أيضًا في استوديو الرسم الجامعي، معمل الخزف والفسيفساء, لأصدقائي هناك، واللائي أحافظ على علاقات معهم حتى اليوم منهن ومنهم صديقات وأصدقاء مقربين,
ثم عندما انتقلتُ للعيش في عمان من أجل العمل, في أول يوم قبيل مغادرتي المنزل كيف ودعتني امي بدموع حارة تفوق تلك التي ودعتني بها صبيحة يوم حفل زفافي, وعن الحقيبة المملوءة بالمقرمشات والشوكلاتة والاطعمة الشهية التي اعطاني اياها والدي فجر ذالك اليوم لكي" أتسلى على الطريق" الذي كنت اسعى به لأشق سبيلا آخر في الحياة, , وكم كانت الحياة صعبة ومرهقة هناك وكيف كنت أشتاق ليوم الخميس الذي أعود به الى مدينتي, كيف أشتاق لهذا رغم أني كنت أظن أن تلك المرحلة بالذات غير جديرة حتى بالتذكر.

وأني أشتاق لنا عندما كنا اثنين، والده وأنا، قبل قدومه إلى الحياة. عندما التقيته أول مرة في الجامعة، ثم في المقهى الصغير الدافئ “WAKE UP” والذي لم يعد موجودًا الآن. عن شوقي لبيتنا الأول القديم، الصغير، لمطبخي هناك الذي تملؤه الشمس وتتوسطه طاولة صغيرة مكسوة بمفرش ذي زخارف موردة من الساتان الناعم صنعته بنفسي.
عن الاستيقاظ باكرًا ساعة الفجر في تلك المرحلة لسرقة حديث صباحي طازج، مكرّر ربما، لكنه لا يُؤجَّل لحين عودة والده من الدوام, رفقة كوب من الشاي وكعك اليانسون.
لاختبار شعور الأمومة أول مرة معه، بدءًا من رحلة الحمل. ها وقد صار ثمانية أعوام.
لدروس البيانو ضمن تخصصي الجامعي في رحلة البكالوريوس الثاني، وذلك التوتر الهائل الذي أدركته في داخلي قبيل موعد الامتحانات العملية، وتلك الحجج المختلقة التي ياما أضعت الوقت وانا أبتكرها وأفكر كيف يمكن قولها بثقة وعيون مفتوحة لا ترمش عندما يكون مستوى تمريني اليومي على البيانو قد يعرضني لكلام جاف, ثم لا أجد لفعل ذلك سبيلا ,
ذلك التوتر والقلق الذي أدركته عندما يرتبط الأمر بأشياء تهمني، وهي قليلة بالمناسبة.
إلى “ديار”، عندما كنت أصحو ليلًا فأجده محدقًا بي ضاحكًا ببراءة تشبه تلك الخاصة بوالده، فأضمه وأعاود النوم، بينما أتساءل في نفسي: لماذا قد يصحو رضيع في خضم الليل ؟ ولماذا يحدق بي هكذا؟ أغفو قبل أن يكتمل السؤال في رأسي من التعب, وكيف أسعى الآن للاحتفاظ بكل لحظة في خلايا جسدي وذاكرتي عندما يتعلق الأمر بـ”ريف” الأميرة الصغيرة وشقيقيها، وكيف ان تاريخ المرء وذاكرته حين تتراكم عن الأشخاص والأماكن والأوقات, تدفعه الى ان يدرك معنى أن يشتاق المرء لسالف حياة..
أخبرته أنه لربما علينا أن نمضي وقتًا خاصًا أكثر، كي نعوّض مشاعر الشوق التي يحملها وأحملها هذه، العذبة والدافئة.
....
تطير الأيام ويمر الوقت كما الضوء على نحو قد لا ندرك عبوره حتى, وبهذا أفكر ان الكتابة تشبه الرسم في سعيها كي تكون محاولة صغيرة عفوية وجدية في الوقت ذاته لتثبيت ما تبقى من الضوء قبل ان يمضي. ننشغل فيها عن التعب بالمعنى, بان نحمل شوقنا للأيام الماضية كذاكرة دافئة لا كحنين ينهشكنا. جلست هنا أمام جهازي المحمول بنية الكتابة عن خطة قريبة في الرأس بغاية تنظيمها لتيسسير اسقاطها على الواقع, فوجدت خواطر سراج الليلية تسرقني. تسرقني رسومات ديار وخطوطه الملونة بينما جاء وجلس بجانبي على طاولة المطبخ, نتشارك الوقت والحياة أيضا.
رسمت عملا فنيا جديدا قبل أكثر من اسبوع, غزة وسماء غزة.. الا اني لم اجد الدافع لمشاركته حتى الان ولا اعلم السبب, اليوم شعرت ان علي التقاط صورة له, هل أشتاق الريشة والألوان حقا؟ خصوصا أن مخيلتي امتلئت الفترة الماضية بالأعمال الفنية ورائحة الزيت, هل اعود قريبا؟
افكر ان امنح اليومين القادمين أو حتى انقضاء عطلة نهاية الاسبوع مساحة ارتب فيها وقتي من جديد ضمن الشكل العام الذي اتخذته الحياة- حياتي-, بعد ولادة ريف وطفلين آخرين بحاجة للرعاية والتنشئة. الابتعاد عن الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي, الانكفاء عن الخروج من المنزل هذه هي بدايتي وخطتي الابدية لترتيب ما يضج في الرأس من أفكار وخطط.

اليوم تنبهت الى ان كل المدونات التي قمت بكتابتها ومشاركتها هنا خلال الفترة الماضية, الأشهر الأربعة السالفة على وجه التحديد كانت تتجه على نحو تلقائي الى الأرشيف بسبب خطأ في الأعداد التلقائي لها, لربما هي فرصة لمراجعة الأخطاء الاملائية الكثيرة التي وجدتها عند مراجعة بعض منها, هناك قبل مشاركتها علنا مرة اخرى ^_^

"المشتل وقطته 2013"

باقة الورد الاولى التي
أهداني اياها شريكي’ 2012

ريع أول عمل فني قمت ببيعه, لشريكي أيضا مقابل عملة غير معلومة :)

فطيرة
التمر
2016

محاولات وتجارب لاستكشاف وجبات نباتية, 2016

اولى محاولاتي في التصوير الفوتوغرافي, عندما امتلكت أول هاتف بكاميرا وكنت أحسبها لقطات خلابة 😁,2007

حوض البصل الذي ازرعه واعتني به على مدار العوام
ثم تأتي شقيقتي تستهلكه من أجل أطباق السلطة الخاصة بها دون اذن مني وكان ذلك يتسبب بمشاكل وتوترات بيننا💥

لقطات من مطبخي الأول , الدافئ الصغير والجميل 2015_2020

اولى الصور التي قمت بالتقاطها من خلال كاميرا احترافية, بقواعد جمالية بسيطة علمني اياها زوجي

مقهى WAKE UP,

أحاديث الصباح الباكرة , مع الشاي الساخن وكعك اليانسون

ركني الفني الأول, في بيتي الأول 🤍

سراج وأنا, 2017

سراج وأنا , 2023

عندما كنا نبحث عن الوقت ونجده, لأجلنا, بعد ميلاد ديار
واستحواذه على غالب وقتي 2023

أنا واختي, 1993

انا والدمى تامر ونانا 1992

أخواتي وأنا 1995

Address

Irbid - Jordan

Join our collectors list