لا عن الماضي, انما عن ما سيأتي

7/27/2023

بالحديث عن الأشياء التي أفتقدها في الآونة الاخيرة, أفتقد الاستيقاظ باكراً قبل أو بعد شروق الشمس مباشرة, أن أفتح الشبابيك والستائر للسماح للهواء الصباحي الجديد الذي لا يشبه أي هواء في أي وقت آخر من اليوم أن يملأ الرئات والمكان, مراقبة أضواء البيوت والشوارع الخافتة المتلألئة من بعيد, احتساء مشروب ساخن منقوع أوراق النعناع غالباً مع الجلوس لبضع الوقت أمام الواجهة الزجاجية التي تطل بأجزاء واسعة على شجرة الكينا العملاقة التي أحب, مغمورة بصوت الطيور وطنين النحل وبعض خطوات المارة القليلة في هذا الوقت المبكر من الصباح, العقل هادئ والقلب هادئ أيضاً, تقودني خطوات خفيفة مصحوبة برغبة ودودة نحو فعل ما, نحو حامل اللوحات والألوان للشروع بلوحة زيتية جديدة أواستكمال عمل فني بدأته في وقت سابق, نحو المطبخ لإشباع فضول ما بإثارة بعض الروائح المحببة في البيت ,المخبوزات المحلاة والمالحة منها على سبيل التخصيص, أو حتى توضيب المنزل للحصول على إحساس مضاعف بالترتيب والأناقة و الراحة

منذ أصبحت في شهري الثامن من الحمل صارت حاجتي المبالغ فيها أصلاً نحو النوم مضاعفة, أمس شعرت بحاجة ماسة للنوم بعد ان انتهيت من شرب فنجان القهوة التي كنا نرغب بتشارك الجلوس والحديث أثناء احتسائها أنا و زوجي, قلت في نفسي ستعينني جرعات الكافيين التي تؤدي غرضها عادة على بقائي مستيقظة, شربتها ولا أذكر سوى أني استيقظت فوجدت الليل قد حل! لم ولا انزعج بطبيعة الحال وأحث نفسي على تقبل التغيرات التي قد تحدث على نحو طبيعي لجسدي ولا أقاوم كثيراً لتغييرها بل على العكس أقول لنفسي"هذا شكل المرحلة وعلي التأقلم" .
نمى في داخلي شعور وايمان راسخ بالقدسية تجاه كل ما يرتبط بامومتي منذ بدات بخوض تجربتي مع طفلي الأول قبل سنوات, شعور متين بالقوة مستمد من ذلك الضعف والوهن الذي تحمله المرحلة, سمحت لتلك المشاعر والتناقضات أن تنمو وتتمادى في داخلي , ضعف جسدي ربما لكن يقظة داخلية لمشاعر جوهرية مقدسة استيقظت بحضور صريح وكامل و معلن دون ان أدرك وجودها من قبل ولم يعد يعنيني غيرها في تلك المرحلة حتى صارت جزءاً مني , مشاعر أحلى وأثمن من كل الوجود الذي عرفته من قبل ولا أُساوم بها على شيئ..

عودة للصباح, ثمة قطة هاربة من منزل الجيران رأيتها تجتاز الشباك وتقفز الى أرض مجاورة, لتوي عبرت عن الصورة التي التقطتها لها ذات صباح باكر في إحدى أيام الربيع في ملف على جهازي اللابتوب المحمول أسميته "لقطات صباحية" , تسائلت عن مصيرها اليوم وما ان عثر عليها أصحابها أو لا ؟ صورة اخرى تعبق برائحة مسحوق الغسيل, حيث جارة تنشر الملابس مع أول خيوط الشمس يتناهى من بيتها الى مسمعي صوت عبدالباسط عبد الصمد وهو يتلوا القرآن, فيعيدني سنوات الى الماضي حيث تمتزج بها خطوات امي في المنزل مع صوت الغسالة الاوتوماتيك وصوت باب البلكون يفتح ويغلق ثم يفتح ويغلق أيضا وهكذا دواليك حتى الانتهاء من جميع وجبات الغسيل بينما لا نزال نيام في الفراش, ثمة لحظة اخرى مجمدة لجار آخر يسقي حديقة بيته, شجرة الليمون, الزيتون, أحواض النعناع والميرمية ونباتات أخرى يبدو مستغرقاً في ذلك كما لو أنه آخر بستان في العالم. هناك طائر المينا يقف بثبات على الشجرة يبدع باستعراض أصوات عديدة ومتباينة تظن أنه عشرة عصافير بواحد , يدفعك بفضول نقي وحتمي أن تبحث عن معلومات عنه على الانترنت,

مشاهد عديدة حتى وان تكررت خلال النهار يظل لها وقع خاص وإحساس مختلف ما ان جرت خلال ساعات الصباح الباكر. ولاجتناب فوضى المشاعر فلنقل أني مشتاقة وأفتقد النسخة النشيطة مني دون أن أزاود على النسخة الحالية المرهقة والمعطائة وهذا وصف يتبع الموصوف لا امتداح للذات,
أحجيات ربما ولكن مفهومة وواضحة, أليس كذلك ؟

Address

Irbid - Jordan

Join our collectors list