أمواج وشموع
6/30/2023
من بين الأشياء والأشخاص والأماكن والروائح والمذاقات وكل كل ما يمكن ان يشتاقله المرء, تفيض جوارحي حاجة وتوقا للبحر ,
قبل بضعة أشهر بكيت دون أن أدرك السبب وراء رغبتي في ذلك ثم لاحقا أدركت حاجتي لزيارة البحر والجلوس على مقربة منه. قبل الإعتراف ببساطة بمشاعري تلك وفي محاولة مني كي أصير أكثر عملية سائلت خاطري وعاتبته عتابا مصطنع, هل من المبرر أن يبكي الإنسان شوقاً لتجمعات هائلة من الماء؟ وكان شيء في نفسي يحاول الانتقاص من حدة التوق والشعور, إلا أنه وفي داخلي أيضاً وبعيداً عن المادية الجاحدة التي تنفر منها كل ذرة في كياني أُدرك أنه على هذا النحو من الممكن أن تتجرد كل الحياة من كل معانيها وقيمتها, فالبحر ذات له أبعاد شاعرية خيالية وانتماءات عاطفية ومكانية وكيان لا يمكن الانتقاص منه، وكذلك سائر الأشياء من حولنا
لعيد ميلادي هذا العام قررنا قضاء الوقت بجوار البحر، ولحسن حظي وجماله يتزامن توقيت حلوله مع أول أيام العطلة الصيفية المدرسية، مما يجعلنا جميعا بحاجة إلى هذه العطلة وقادرين أيضا على التخطيط دون التعثر بأيام الدوام 👮♂️
ذهبنا إلى البحر الميت الذي نحمل فيه الكثير من الذكريات الجميلة التي تدفعنا للرغبة في تكرار زيارته بين فترة وأُخرى، إضافة إلى أن خيار البقاء داخل حدود الاردن وعدم السفر الى الخارج هو الأسلم بالنسبة لي ولهذه المرحلة من حملي, وعن الطريق اخترنا الذهاب من طريق الاغوار عوضاً عن طريق عمان ، والذي يفرض علينا تحمل ساعة إضافية في الطريق مقابل الاستمتاع بمشاهدة مزارع النخيل والموز والحمضيات والطبيعة المميزة للمنطقة والتي لا تشبه أي مكان آخر عوضا عن مشاهد الاسمنت. يقول زوجي لسراج بعد أن بدأ يشكو المسافة "الطريق جزء من الرحلة" لكن في الواقع لم يصلح أي شيء لجعل سراج أكثر احتمالاً للوقت، ففي اليوم الذي سبق الرحلة اندس سراج في فراشه للنوم قبل غروب الشمس كي يجتاز الوقت الفاصل بيننا وبين لحظة الإنطلاق وبقي كذلك يحاول النوم إلى قرابة منتصف الليل, أي أنه اجتاز بالسهر معدل الوقت الطبيعي الذي ينام به في العادة! كان ذهنه سابحاً في البحر, ثم أصبحت فكرة محاولة النوم لأجلها ودون جدوى تثير مشاعر سلبية بالنسبة له, بكى فأخبرته أن ربما طاقة في جسده علينا تفريغها, شغلت له موسيقى راقصة وطلبت منه أن يقفز ويرقص بصخب حتى يفرغ جسده ورأسه منها, بعدها غفى مباشرة :)
ينقسم الناس فوراً بمشاعرهم عند الحديث عن هذا المكان بين ثنائية المحبين والكارهين، أما أنا فلا أكتفي بحبه فقط بل لدي تعميماتي العمياء وتصنيفات لا إراديّة تعجبني وأنتمي لها ولا أحاول تصويبها أو توجيهها نحو معاييرأكثر منطقية أبدا, أقسم فيها الناس في داخلي بين ثنائية (شاعريين - وذوو حالة رومانسية متدنية ) بناءاً على مشاعرهم نحوه, بالطبع يفوز بالشاعرية أولئك القادرين على التقاط وعيش لحظات الجمال التي يتفرد بها هذا المكان. وفي هذا عصبيات عدائية رقيقة ماأحلاها 😅
كنباتية اعتدت على الشح في الخيارات الممكن تناولها في الأماكن والمطاعم العامة, سأتذكرالمذاقات الفاخرة التي تذوقتها هناك طيلة أيام الرحلة وكانت هذ بهجة خارج الحسبان :) لطبق الخضار بالكاري مع الأرزمكانة خاصة تشبه السحر لدرجة أني تمنيت أن يتكرر حضور الطبق حتى باقي الأيام التي أمضيناها هناك, لم يتكرر لكني تمعنت بالطعم حتى نجحت في إعداده منذ أول يوم عدنا به إلى البيت وهذا ما شهد عليه زوجي عندما تذوق الطعم, اصبح لدي وصفة طعام شهية وجديدة الان :)
كم مرة علينا أن نحتفل بيوم ميلادك؟ سأل سراج بعد أن رآني أصنع قال كيك لحفل عيد ميلاد آخر بعد أن عدنا إلى البيت، ممم ما زالت مشاعر الاحتفال بعامي الجديد موجودة في داخلي إذن ما المانع في أن احتفل كل يوم؟ أجبته,
أخبرته أني عندما كنت طفلة بعمره كان هناك صيتاً شائعاً بين عائلتي ومن حولي أني أكره يوم عيد ميلادي وأنتشي فرحاً في أعياد ميلاد من حولي, أتذكر ذلك الشعور وتلك الأعياد جيداً, كنت أنهار من البكاء وأرمي نفسي على الأرض عندما يحين موعد الاحتفال لو حاول أحد إقحامي في ذلك بإكراه عاطفي وأرفض إطفاء الشمعة والنظر الى الكاميرا لالتقاط الصور, كان هذا على مدار سنوات الطفولة المبكرة بأكملها كل صوري في عيد ميلادي تعيسة ونائحة, أما في عيد ميلاد شقيقاتي وأقاربي فالبهجة ومساحيق التجميل الطفولية اللامعة تغمر وجهي,
مرة قال لي أحد أقربائي في عيد ميلاد أختي الذي يصادف أياماً قليلة بعد عيد ميلادي البائس الكئيب, وبعد أن سيطرتُ على الأضواء من شدة الرقص والفرح جملة لم أفهمها كثيرا في ذلك الوقت ولم انساها أيضا وفي مضمونها قال انه شاهد الكثير الكثير من أصناف الرقص وأنواعه من المشرق الى المغرب ومن الشمالوحتى الجنوب في سفره وترحاله الكثير, لكنه لم يشاهد مثل رقصتي أبدا, حتى اليوم تقلد امي حركاتي تلك ونضحك جميعا على ذلك
العجيب أنه لا زال بإمكاني تذكر الحالة الشعورية التي كانت تجتاحني في أعياد ميلادي والأن أصبحت قادرة على صياغتها وتفهمها, كل ما في الأمرأني كنت أشعر أني مطالبة بشيء ما, ظهور ما, وأفعال ما, العيون والأضواء مسلطة عليِّ على نحو كان يسبب لي الإرباك, أما في أعياد ميلاد الأخرين أشعر بحرية لكوني أحد الموجودين لا شمعتهم , الأن أصبح لدي مشاعري ونظرتي الخاصة للأشياء, خلقتها واعدت صياغتها مراراً وتكراراً دون أتبنى قوالب جاهزة للشعور والأفعال.
بلون البحر كانت قالب الكيك الذي صنعته, أزرق بارد من الخارج وترابي اللون هش القوام من داخله تماما كرمل البحر, منعشة بطعم الليمون الاخضر الطازج ..لا أعظم من الروابط التي تتخلق عبر الشعور ..



















